responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 4  صفحة : 11
بِالتَّوْرَاةِ، وَهَذَا كَقَوْلِهِ: وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً [الْبَقَرَة: 95] وَبَعْدَ أَنْ فَرَغَ مِنْ إِعْلَانِ كَذِبِهِمْ بِالْحُجَّةِ الْقَاطِعَةِ قَالَ: قُلْ صَدَقَ اللَّهُ وَهُوَ تَعْرِيضٌ بِكَذِبِهِمْ لِأَنَّ صِدْقَ أَحَدِ الْخَبَرَيْنِ الْمُتَنَافِيَيْنِ يَسْتَلْزِمُ كَذِبَ الْآخَرِ، فَهُوَ مُسْتَعْمَلٌ فِي مَعْنَاهُ الْأَصْلِيِّ وَالْكِنَائِيِّ.
وَالتَّفْرِيعُ فِي قَوْلِهِ: فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً تَفْرِيعٌ عَلَى صَدَقَ اللَّهُ لَأَنَ اتِّبَاعَ الصَّادِقِ فِيمَا أَمَرَ بِهِ مَنْجَاةٌ مِنَ الْخَطَرِ.
[96، 97]

[سُورَة آل عمرَان (3) : الْآيَات 96 الى 97]
إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ (96) فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ (97)
إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ (96) فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً.
هَذَا الْكَلَامُ وَاقِعٌ مَوْقِعَ التَّعْلِيلِ لِلْأَمْرِ فِي قَوْلِهِ: فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً [آل عمرَان: 95] لِأَنَّ هَذَا الْبَيْتَ الْمُنَوَّهَ بِشَأْنِهِ كَانَ مَقَامًا لِإِبْرَاهِيمَ فَفَضَائِلُ هَذَا الْبَيْتِ تُحَقِّقُ فَضِيلَةَ شَرْعِ بَانِيهِ فِي مُتَعَارَفِ النَّاسِ، فَهَذَا الِاسْتِدْلَالُ خِطَابِيٌّ، وَهُوَ أَيْضًا إِخْبَارٌ بِفَضِيلَةِ الْكَعْبَةِ، وَحُرْمَتِهَا- فِيمَا مَضَى مِنَ الزَّمَانِ-.
وَقَدْ آذَنَ بِكَوْنِ الْكَلَامِ تَعْلِيلًا مَوْقِعُ (إِنَّ) فِي أَوَّلِهِ فَإِنَّ التَّأْكِيدَ بِإِنَّ هُنَا لِمُجَرَّدِ الِاهْتِمَامِ وَلَيْسَ لِرَدِّ إِنْكَارِ مُنْكِرٍ، أَوْ شَكِّ شَاكٍّ.
وَمِنْ خَصَائِصِ (إِنَّ) إِذَا وَرَدَتْ فِي الْكَلَامِ لِمُجَرَّدِ الِاهْتِمَامِ، أَنْ تُغْنِيَ غَنَاءَ فَاءِ التَّفْرِيعِ وَتُفِيدُ التَّعْلِيلَ وَالرَّبْطَ، كَمَا فِي دَلَائِلِ الْإِعْجَازِ.
وَلِمَا فِي هَذِهِ مِنْ إِفَادَةِ الرَّبْطِ اسْتُغْنِيَ عَنِ الْعَطْفِ لِكَوْنِ (إِنَّ) مُؤْذِنَةً بِالرَّبْطِ. وَبَيَانُ وَجْهِ التَّعْلِيلِ أَنَّ هَذَا الْبَيْتَ لَمَّا كَانَ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلْهُدَى وَإِعْلَانِ تَوْحِيدِ اللَّهِ لِيَكُونَ عَلَمًا مَشْهُودًا بِالْحِسِّ عَلَى مَعْنَى الْوَحْدَانِيَّةِ وَنَفْيِ الْإِشْرَاكِ، فَقَدْ كَانَ جَامِعًا لِدَلَائِلِ الْحَنِيفِيَّةِ، فَإِذَا ثَبَتَ لَهُ شَرَفُ الْأَوَّلِيَّةِ وَدَوَامُ الْحُرْمَةِ عَلَى مَمَرِّ الْعُصُورِ، دُونَ غَيْرِهِ مِنَ الْهَيَاكِلِ الدِّينِيَّةِ الَّتِي نَشَأَتْ بعده، وَهُوَ مائل، كَانَ ذَلِكَ دَلَالَةً إِلَهِيَّةً عَلَى أَنَّهُ بِمَحَلِّ الْعِنَايَةِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الدِّينَ الَّذِي

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 4  صفحة : 11
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست